بيان عقيدة الأزهر: من الماضي إلي الحاضر
لقد قام الأزهر
الشريف على مدى أكثر من عشرة قرون بنشر تعاليم الاسلام وقيمه النبيلة. وكان في أول
ظهوره مولودا من رحم الشيعة الفاطمية المصرية. وقد أصبح الأن مؤسسة تعليمية وسطية
تتمسك جزما بالإعتدال والتسامح مع الأخرين سواء كان من المسلمين ام غيرهم. فكيف يمكن
الأزهر الشريف الذي كان في الأصل شيعي العقيدة ثم يتحول إلى عقيدة اهل السنة
والجماعة؟ و كيف هي طريقة التعلم الازهرية؟ و ما العقيدة التي يعتقدها في عصرنا
الحاضر؟
لو نظرنا من الناحية التاريخية، شرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت 24 جمادى
الأولى سنة 359 هجرية، وتم بناؤه في سنتين تقريبا في عهد الدولة الفاطمية. وأقيمت
الصلاة فيه لأول مرة في 7 من رمضان سنة 361 هجرية، و هي صلاة الجمعة. وكانت الدولة
الفاطمية وخلفاءها من أتباع الشيعة. ومن أجل ذلك، يميل الأزهر الشريف تلقائيا إلى
مذهب الشيعة الذي حملته وروجت له الخلفاء الفاطميون. والحقيقة، أن الأزهر الشريف
أصبح أحد مركز لنشر تعاليم مذهب الشيعة في مصر وقتئذ. فكان من الطبيعي أنه حينما استسلمت
الدولة الفاطمية المصرية على يد صلاح الدين الأيوبي، منع إقامة صلاة الجمعة في
الأزهر كنوع إزالة كل التراث الشيعي التابع للدولة الفاطمية.
و بدلا من ذلك، كان القائد الأعلى صلاح الدين الأيوبي بنى مدارس جديدة لجذب
اهتمام الجماعة. لذلك، لم يكن الأزهر في عهد الدولة الأيوبية ذا خصوصية في نظر المجتمع
المصري. ومع ذلك، بدأ الأزهربالفعل طريقا جديدا في أتباع أهل السنة والجماعة خلال
هذه الفترة. وحتى ذلك الحين، انهارت الدولة الأيوبية وحل محلها "المماليك"
لقيادة مصر.
وتوصلت مصر خلال هذه الفترة -في عهد الدولة المملوكية- إلى ذروة تطورها
العلمي والثقافي. وبالفعل استطاع المماليك إعطاء أجرة التعليم للمعلمين بالأزهر،وعلاوات
الطلاب، وتوفير أموال المعونة لهذه المؤسسة. فمن الطبيعي، تبدى عدد كبير من
العلماء المتبحرين المتفنين في علومهم مثل الإمام جلال الدين السيوطي صاحب كتاب
الدر المنثور في التفسير بالمأثور وابن حجر العسقلاني صءاحب كتاب نزهة النظر بشرح
نخبة الفكر. وأيضا في هذه الفترة، ظهرت إقامة أذان الجمعة بعد مائة عام منذ أن
ألغيت في عهد الدولة الأيوبية.
ثم ننتقل إلى عهد الدولة العثمانية. شهدت مصر تحت قيادة هذه الدولة أشد
فترة انحدار في تاريخها، حيث توقفت عجلة الأكاديميين في مصر مع جلب السّواد الأعظم
من علماء الأزهر إلى قسطنطينية -إسطنبول في العصر الحاضر- وكثرة المؤلفات التي
اغتنمها جنود العثمانيين ثم نقلوها إلى قسطنطينية. ولكن في مثل هذه الظروف
والأحوال، ظل علماء الأزهر أن يحاولوا المحافظة على بقايا ثرواتهم العلمية
والثقافية، مثل الحفاظ على استخدام اللغة العربية حتى يتمكنوا من التفوق على لغة
الفاتحين التي استخدمها جماعة الدولة العثمانية. وهذه لمحة تاريخية من رحلة الأزهر
الشريف من أول ظهوره -من الشيعة الفاطمية- إلى أهل السنة والجماعة.
إذن، ما هي بالضبط طريقة التعلم بالأزهر الشريف؟ و كان الشيخ أسامة الأزهري
يقول في كتابه الإحياء الكبير لمعالم المنهج الأزهري المنير أن طرق التعلم بالأزهر
تتكون من ثمانية أركان أساسية:
الأول: إتصال السند إلى رسول الله رواية ودراية وتزكية. فالطالب الأزهري
ينال السند العلمي المتصل، ثمرة مجالستهم مع العلماء فترة طويلة من الزمن. حيث
يدرسون ويفهمون المعرفة التي يقدمها شيخهم حتى يحصلوا الإعتراف والأهلية لتعليم
الطلاب الأخرين. فمن خلال هذه المعرفة التي تنتقل من معلم إلى معلم حتى تصل إلى
رسول الله، يمكن الوثوق بفهم الطلاب والإعتراف به.
الثاني: العناية بتحصيل علوم الأّلة. منها النحو والصرف والبلاغة وأصول
الفقه وعلوم القرأن وغير ذلك. وهذه هي العلوم التي تساعد الطلاب في فهم نصوص
القرأن والسنة بصحيح ودقيق. حيث أن الأزهري قبل أن يتطرق إلى المسائل العلمية
المعقدة، عليه أن يفهم مبادئ هذه العلوم من خلال مراحل صحيحة.
الثالث: الإلمام والإحاطة بمقاصد الشريعة. المزية الأخرى لطريقة التعلم
الأزهرية أن الأزهري قادر على فهم مقاصد الشريعة. حيث يطلع على أن دين الله جاء
لتحقيق عبوديته لله، و بناء الأمة الإنسانية بالتقوى والفهم الصحيح، وبناء الحضارة
الإنسانية بالأخلاق السامية الجليلة حتى تصبح أمة محمد رحمة للعالمين كما أن نبيه
محمدا جاء رحمة للعالمين. وكذلك إذا كان للطالب فهم حسن عن
مقاصد الشريعة، سيحصل له المفاهيم الواسعة المتعددة لدين الله ولن يكون قاسيا أم
جامدا.
الرابع: تنزيل القرآن الكريم على مواضعه. والأزهري لن يطبق
محتوى أيات خاصة على أمرعام. وكذلك العكس. فالأزهري يستطيع أن يفهم القرأن فهما
جيدا دون غموض، بخلاف الطرق الأخرى التي تفهم القرأن دون فهم جيد، مما يؤدي إلى
تطبيق محتوى غير مناسب لمكانه.
الخامس: تعظيم شأن الأمة المحمدية. وينتج من كل ما سبق
أن طالب العلم يدرك عظمة شأن الأمة المحمدية، وأنها وعاء الإسلام، و أنها
أمة علم، وهداية، ورحمة، وأنها أمة بلاغ عن الله، وأنها مؤتمنة على الشرع الشريف،
وأن لها وظيفة بين الأمم، وأن وظيفتها هي الهداية وتبليغ الشرع إلى الأمم. وأنها
ينبغي أن تشارك في صناعة ثقافة العلم مشاركة مؤثرة، لافتة للنظر، بحيث تكون تلأمة
دالة على الله بعلومها وفنونها وآدابها وقيمها ومعارفها في مجالات العلوم المختلفة،
الإنسانية، والتجريبية، والعقلية، وغيرها.
فإذا أدرك الإنسان ذلك عظم شأن الأمة، ولم يعتد عليها بتفسيق ولا تشريك ولا
تبديع ولا بغضاء ولا شحناء للمسلمين. و قد ظل المنهج الأزهري يعلم الناس ذلك، و
يستوعب الوافدين من مختلف الأقطار والأمصار، ولا يصدر عنه تحامل ولا تفسيق، بل
يفيض علما و هداية.
السادس: حمل هم الهداية العامة. فإذا أحاط طالب العلم بذلك كله التفت إلى
أن مخاطبة العالمين بمحاسن الشرع الشريف من أوجب الواجبات. وأن المنهج النبوي
الشريف كان مفعما بالحرص على هداية الخلائق أجمعين، وإيصال أنوار الهداية إلى كل
إنسان مع كمال الحرص والشفقة على الخلق والرحمة بهم. فمن أهم سمات المنهج الأزهري
أن يغرس في نفوس أبنائه هذا المعنى الجليل، بخلاف المناهج الأخرى التي ليس في
خطابها أي التفات إلى حقوق الأمم علينا.
السابع: المكونات الكاملة للعلم. فإن المنهج الأزهري ظل على قرون طويلة وهو
يربي أبنائه على أن العلم مركب من ثلاثة أمور، أولها: المصادر والأدلة من الكتاب
والسنة والإجماع والقياس. ثانيها: المنهج المعتمد والمنضبط في فهم النصوص وكيفية
تحليلها واستخراج معانيها. ثالثها: المواصفات والملكات والمواهب التي لا بد من
توافرها في الشخص القائم بالتبحر والتخصص في علوم الشريعة. فالمصادر وحدها لا تصنع
العلم ولا الهداية، حتى يصحبها منهج معتمد في الفهم يقوم به شخص مؤهل.
الثامن: الإستفادة من تراث الأمة، والإنفتاح عليه، والتواصل معه، والبناء
عليه. فإن من أهم خصائص المنهج الأزهري أنه مستوعب لتراث الأمة في العلوم
والمجالات المختلفة، متواصل مع ذلك التراث، يعرف له أصالته وقيمته، ويعرف، ويعرف كيف
ينتقي منه كل مفيد وجليل، ويعرف كيف يبني عليه، وكيف يضيف إليه، بخلاف عدد من
المناهج الأخرى التي تصنع قطيعة وهجرا وتضليلا لتراث الأمة.
بعد أن نتكلم عن كيفية وطريقة التعلم بالأزهر الشريف، ننتقل إلى المبحث الأخير في هذه الكتابة. وهو البحث عن العقيدة التي يلتزم بها الأزهر الشريف في عصرنا الحاضر. وكان الأزهر نفسه قد يتمسك في البداية بالعقيدة الشيعية في عهد الدولة الفاطمية. ثم تحولت عقيدته إلى عقيدة أهل السنة والجماعة بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية. وهي العقيدة التي يتمسك بها الأزهر الشريف إلى الأن.
الكاتب: M.A.C Sayyid Dhuha
المحرر: Lalu Azmil Azizul Muttaqin
Posting Komentar